فصل: قال الصابوني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قرأ أبو عمرو والكسائي {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} بإدغام اللام في الراء والباقون بترك الإدغام، حجتهما قرب مخرج اللام من الراء والراء أقوى من اللام بحصول التكرير فيها، ولهذا لم يجز إدغام الراء في اللام لأن الأنقص يدغم في الأفضل، وحجة الباقين أن الراء واللام حرفان من كلمتين فالأولى ترك الإدغام. اهـ.
قال الفخر:
المشبهة احتجوا بقوله تعالى: {بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} في إثبات الجهة.
والجواب: المراد الرفع إلى موضع لا يجرى فيه حكم غير الله تعالى كقوله: {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الامور} [البقرة: 210] وقال تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مهاجرا إِلَى الله وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] وكانت الهجرة في ذلك الوقت إلى المدينة، وقال إبراهيم {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} [الصافات: 99]. اهـ.

.قال الماوردي:

{بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه رفعه إلى موضع لا يجري عليه حكم أحد من العباد، فصار رفعه إلى حيث لا يجري عليه حكم العباد رفعًا إليه، وهذا قول بعض البصريين.
والثاني: أنه رفعه إلى السماء، وهو قول الحسن. اهـ.

.قال الصابوني:

دلَّ قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبِّهَ لَهُمْ} على أن الله تعالى نجّى رسوله عيسى من شر اليهود الخبثاء فلم يُقتل ولم يصلب وإِنما صلبوه شخصًا غيره ظنوه عيسى وهو الذي ألقى الله الشبه عليه فقتلوه وهم يحسبونه عيسى، وهذا هو الاعتقاد الحق الذي يتفق مع العقل والنقل، وأما النصارى فيعتقدون أنه صلب وأن اليهود أهانوه ووضعوا الشوك على رأسه وأنه تضرّع وبكى مع زعمهم أنه هو الله أو ابن الله وأنه جاء ليخلّص البشرية من أوزارها إِلى غير ما هنالك من التناقض العجيب الغريب ولقد أحسن من قال:
عجبًا للمسيح بين النصارى ** وإِلى أي والدٍ نسبوه!

أسلموه إِلى اليهود وقالوا ** إِنهم بعد ضربه صلبوه

فإِذا كان ما يقولون حقًا ** وصحيحقًا فأين كان أبوه؟

حين خلّى ابنه رهين الأعادي ** أتراهم أرضوه أم أغضبوه؟

فلئن كان راضيًا بأذاهم ** فاحمدوهم لأنهم عذبوه

ولئن كان ساخطًا فاتركوه ** واعبدوهم لأنهم غلبوه

. اهـ.

.قال الفخر:

رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ثابت بهذه الآية، ونظير هذه الآية قوله في آل عمران {إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} [آل عمران: 55] واعلم أنه تعالى لما ذكر عقيب ما شرح أنه وصل إلى عيسى أنواع كثيرة من البلاء والمحنة أنه رفعه إليه دل ذلك على أن رفعه إليه أعظم في باب الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية، وهذه الآية تفتح عليك باب معرفة السعادات الروحانية.
ثم قال تعالى: {وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا}.
والمراد من العزة كمال القدرة، ومن الحكمة كمال العلم، فنبّه بهذا على أن رفع عيسى من الدنيا إلى السموات وإن كان كالمتعذر على البشر لكنه لا تعذر فيه بالنسبة إلى قدرتي وإلى حكمتي، وهو نظير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] فإن الإسراء وإن كان متعذرًا بالنسبة إلى قدرة محمد إلا أنه سهل بالنسبة إلى قدرة الحق سبحانه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ} كسرت إنّ لأنها مبتدأة بعد القول وفتحها لغة.
وقد تقدّم في آل عمران اشتقاق لفظ المسيح.
{رَسُولَ الله} بدل، وإن شئت على معنى أعني.
{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} ردّ لقولهم.
{ولكن شُبِّهَ لَهُمْ} أي ألقى شبهه على غيره كما تقدّم في آل عمران.
وقيل: لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ}.
والإخبار قيل: إنه عن جميعهم.
وقيل: إنه لم يختلف فيه إلا عوامّهم؛ ومعنى اختلافهم قول بعضهم إنه إله، وبعضهم هو ابن الله.
قاله الحسن: وقيل اختلافهم أن عوامهم قالوا قتلنا عيسى.
وقال من عاين رفعه إلى السماء: ما قتلناه.
وقيل: اختلافهم أن النُّسْطُورِيّة من النصارى قالوا: صلِب عيسى من جهة ناسُوته لا من جهة لاهُوته.
وقالت المَلْكانية: وقع الصلب والقتل على المسيح بكماله ناسوتهِ ولاهوتهِ.
وقيل: اختلافهم هو أنهم قالوا: إن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟! وإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وقيل: اختلافهم هو أن اليهود قالوا: نحن قتلناه، لأن يهوذا رأس اليهود وهو الذي سعى في قتله.
وقالت طائفة من النصارى: بل قتلناه نحن.
وقالت طائفة منهم: بل رفعه الله إلى السماء ونحن ننظر إليه.
{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} مِن زائدة؛ وتمّ الكلام.
ثم قال جل وعز: {إِلاَّ اتباع الظن} استثناء ليس من الأوّل في موضع نصب، ويجوز أن يكون في موضع رفع على البدل؛ أي ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن.
وأنشد سيبويه:
وبلدةٍ ليس بها أنِيسُ ** إلاّ اليعافير وإلا العِيسُ

قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} قال ابن عباس والسدي: المعنى ما قتلوا ظنهم يقينًا؛ كقولك: قتلته علمًا إذا علمته عِلما تامًّا؛ فالهاء عائدة على الظنّ.
قال أبو عبيد: ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينًا لقال: وما قتلوه فقط.
وقيل: المعنى وما قتلوا الذي شبه لهم أنه عيسى يقينًا؛ فالوقف على هذا على يَقِينًا.
وقيل؛ المعنى وما قتلوا عيسى، والوقف على {وَمَا قَتَلُوهُ} و{يَقِينًا} نعت لمصدر محذوف، وفيه تقديران: أحدهما أي قالوا هذا قولًا يقينًا، أو قال الله هذا قولًا يقينًا.
والقول الآخر أن يكون المعنى وما علموه علمًا يقينًا.
النحاس: إن قدرت المعنى بل رفعه الله إليه يقينًا فهو خطأ؛ لأنه لا يعمل ما بعد {بَلْ} فيما قبلها لضعفها.
وأجاز ابن الأنباريّ الوقف على {وَمَا قَتَلُوهُ} على أن ينصب {يقينًا} بفعل مضمر هو جواب القسم، تقديره: ولقد صدّقتم يقينًا أي صدقا يقينًا.
{بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ} ابتداء كلام مستأنف؛ أي إلى السماء، والله تعالى متعال عن المكان؛ وقد تقدّم كيفية رفعه في آل عمران.
{وَكَانَ الله عَزِيزًا} أي قويًا بالنقمة من اليهود فسلط عليهم بطرس بن أستيسانوس الرّومي فقتل منهم مقتلة عظيمة.
{حَكِيمًا} حكم عليهم باللعنة والغضب. اهـ.

.قال البقاعي:

قصة رفعه عليه الصلاة والسلام من الإنجيل الموجود اليوم بين أظهر النصارى، وهي تتضمن الإنذار بالدجال والإخبار بنزوله صعيد، والبشارة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصفه بالفارقليط وبالأركون، وأن إخبارهم بقتله وصلبه ليس مستندًا إلا إلى شك- كما قال الله تعالى، وأحسن ما رد على الإنسان بما يعتقده، قال مترجمهم في إنجيل متى: إنه عليه الصلاة والسلام دخل إلى الهيكل في يروشليم- وهي القدس- وجرت بينه وبين الأحبار محاورات كان آخرها أن قال لهم: إني أقول لكم: إنكم لا تروني الآن حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب، ثم خرج من الهيكل، فجاء إليه تلاميذه كي يُروه بناء الهيكل، فأجاب وقال لهم: انظروا هذا كله، الحق أقول لكم: إنه لا يترك هنا حجر على حجر إلا نقض، ثم جلس على جبل الزيتون- قال مرقس: قدام الهيكل- فجاء إليه تلاميذه قائلين: قل لنا: متى هذا وما علامة مجيئك وانقضاء الزمان؟ فقال لهم: انظروا لا يضلنكم أحد- قال مرقس ولوقا: فإن كثيرًا يأتون باسمي قائلين: إنما هو المسيح، ويضلون كثيرًا- فإذا سمعتم بالحروب وأخبار الحروب انظروا لا تقلقوا، فلابد أن يكون هذا كله، تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة، ويكون خوف عظيم واضطراب وجوع ووباء- قال لوقا: وعلامات عظيمة من السماء- وزلازل في أماكن، وكل هذا أول المخاض- وقال مرقس: وهذه بداية الطلق، انظروا أنتم! إنهم يسلمونكم إلى المجامع والمحافل وتضربون- وقال لوقا: وقبل هذا كله يضعون أيديهم عليكم، ويطردونكم إلى المجامع والسجون وتقامون أمام الملوك والقواد شهادة عليهم وعلى كل الأمم، ينبغي أولًا أن يكرز بالإنجيل، فإذا قدّموكم وأسلموكم فلا تهتموا بما تقولون ولا ماذا تجيبون، فإنكم تعطون في تلك الساعة الذي تتكلمون به ولستم المتكلمين، لكن روح القدس؛ قال لوقا: فإني معطيكم فمًا وحكمة لا يقدر الذين يناصبونكم يقاومونها ولا الجواب عنها، ويسلم الأخ أخاه للموت، والأب ابنه، ويثب الأبناء على آبائهم؛ قال متى: حينئذ يسلمونكم إلى الضيق ويقتلونكم، وتكونون مبغوضين من كل الأمم، وحينئذ يشك كثير، ويسلم بعضكم بعضًا، ويبغض بعضكم بعضًا، ويقوم كثير من المنتهى يخلص، ويكرز بهذه البشارة في الملكوت في جميع المسكونة بشهادة لكل الأمم؛ قال مرقس: فإذا رأيتم فساد الحراب المذكور في دانيال النبي قائمًا حيث لا ينبغي- فليفهم القارىء- حينئذ الذين تهودوا يهربون إلى الجليل، والذي فوق السطح لا يقدر أن ينزل إلى بيته ليأخذ شيئًا، والويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام؛ وقال لوقا: وحينئذ الذين في اليهودية يهربون إلى الجبال، والذين في وسطها يفرون خارجًا، والذين في الكورة لا يدخلونها، لأن هذه في أيام الانتقام لكي يتم كل ما هو مكتوب، يكون على الأرض ضر وشدة عظيمة، وسخط على هذا الشعب، ويقعون في فم السيف، ويسبون في كل الأمم.
ويكون يروشليم موطئ الأمم حتى يكمل الزمان، وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم، وتخرج نفوس أناس من الخوف؛ وقال متى: وحينئذ يأتي الانفصال، ثم قال: سيكون ضيق عظيم- قال مرقس: تلك الأيام- لم يكن مثله في أول العالم حتى الآن ولا يكون، ولولا أن تلك الأيام قصرت لم يخلص ذو جسد- وقال مرقس: فلولا أن الرب أقصر تلك الأيام لم يحيى ذو جسد- لكن لأجل المتحببين قصرت تلك الأيام، فإن قال لكم أحد: إن المسيح ها هنا فلا تصدقوا، فسيقوم مسيحو كذب وأنبياء كذبة، ويعطون علامات عظامًا وآيات، ويضلون المختارين إن قدروا، هو ذا قد تقدمت وأخبرتكم، فإن قالوا لكم: إنه في البرية، فلا تخرجوا، أو فيّ المخادع، فلا تصدقوا، وكما أن البرق يخرج من المشرق فيظهر في المغرب، كذلك يكون حضور ابن البشر، لأنه حيث تكون الجثة تجتمع النسور وتلوف بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه، والكواكب تتساقط من السماء، وقوات ترتج، وحينئذ تظهر علامات ابن الإنسان في السماء، وتنوح كل قبائل الأرض، وترون ابن الإنسان آتيًا في سحاب السماء مع قوات ومجد كثير، ويرسل الملائكة مع صوت الناقور العظيم، ويجمع مختاريه من الأربعة الأزياج من أقصى السماوات- وقال مرقس: من أطراف الأرض إلى أطراف السماء- فمن شجرة التينة- وقال لوقا: ومن كل الأشجار- تعلمون المثل، إذا لانت أغصانها وفرعت أوراقها علمتم أن الصيف قد دنا.